تشهد الساحة الفكرية والدينية في الآونة الأخيرة جدلًا متصاعدًا حول استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعديل الصور الشخصية، خاصة تلك التي تعود لذوات الأرواح، وسط انقسام واضح بين من يرى في ذلك تطورًا مشروعًا في أدوات التعبير، ومن يعتبره محرمًا يخالف النصوص الشرعية، وبين من يعبّر عن مخاوف حقيقية من الانتهاكات الأخلاقية والخصوصية.
ويرى فريق من العلماء والدعاة أن التلاعب بالصور، حتى وإن تم لأغراض فنية أو تعليمية، يدخل في باب “المضاهاة بخلق الله”، ويقع تحت دائرة التصوير المحرّم شرعًا، خاصة إن كان لذوات الأرواح. هذا الرأي يستند إلى أحاديث نبوية تحذّر من تقليد خلق الله، مثل قوله ﷺ: “إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله”.
في المقابل، يعتبر فريق آخر أن الصور الرقمية المعدّلة ليست خلقًا من العدم، بل مجرد معالجات تقنية لصور أصلية، ولا تدخل في باب التصوير المحرم ما دامت لا تُستخدم في حرام ولا يُقصد بها التعظيم أو التشبه.
وأكدوا أن هذه الصور باتت تُستخدم في الطب، التعليم، الفن، والتوثيق، ولا تُعد مضاهاة للخلق بقدر ما هي أدوات بصرية حديثة.
غير أن فئة ثالثة، تضم ناشطين وخبراء في الخصوصية الرقمية، أعربت عن قلقها من مخاطر حقيقية ترتبط باستخدام هذه التقنيات، خصوصًا في ما يتعلق بتعديل الصور الشخصية ونشرها أو تسريبها دون إذن أصحابها.
وضرب البعض مثالًا بامرأة محجبة تُعدل صورتها باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى رسم فني، ثم يُعاد تحويل هذا الرسم رقميًا إلى صورة شبه واقعية تظهر ملامح وجهها الحقيقي دون حجاب، ما يفتح الباب أمام انتهاكات خصوصية بالغة الخطورة.
ويحذّر مختصون في الأمن السيبراني من أن الصور المعدّلة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وإن بدت آمنة، يمكن استخدامها لاحقًا في إنشاء هويات مزيفة أو خداعات بصرية، بما في ذلك التزوير أو التشويه المتعمد.
وبين الآراء الدينية الرافضة، والمواقف المعتدلة، والمخاوف المجتمعية، تبقى مسألة “الصورة المعدّلة” في ظل الذكاء الاصطناعي موضوعًا مفتوحًا للنقاش، يستدعي مقاربات شرعية وأخلاقية وتقنية في آنٍ واحد.
و يقول رأي آخر أنه في زمن الجاهلية، لم تكن الصور مجرد زينة أو وسيلة للتعبير الفني، بل كانت تُصنع وتُرسم أحيانًا لأغراض عقائدية، فقد أساء العرب استخدامها حين نحتوا الأصنام وصوروها ليجعلوها رموزًا تُعبد من دون الله.
ولهذا جاء الإسلام محرّضًا على إزالة هذه المظاهر، محذرًا من خطر “المصورين” الذين يصنعون هذه التماثيل والصور بقصد التعظيم والعبادة. في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: “إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله” (رواه البخاري). وكان مفهوم التصوير وقتها لا ينفصل عن الشرك وعبادة الصور. لكن هل بقي الحال على ما هو عليه بعد قرون من التطور وتغير النوايا والوسائل؟
بقلم محمد هواشم
رابط دائم: https://hyat.cz/71t5b